بقلم الدكتور محمد نزار الدقر منقول
إنه لمن نافلة أن العلوم الكونية ومنها العلوم الطبية لا تدخل بشكل مباشر في مهمات الرسالات السماوية، فإن تطوير هذه العلوم وترقيتها متروك للجهد البشري وأبحاث العلماء. إلا أن الدين الحنيف على العلوم الطبية بالتوجيه الرباني والإشراف النبوي حتى تستخدم لصالح الإنسانية.
وتعود أهمية الطب لحاجة الناس إليه، فهو الذي يحفظ البدن ويدفع عنه غوائل المرض وأنواع السقم. وفي هذا يقول الإمام الشافعي: (صنعتان لا غنى للناس عنهما: العلماء لأديانهم والأطباء لأبدانهم) وليس غريباً أن يعنى الإسلام بأسس الصحة العامة وسبل الوقاية من الأمراض بصورة عامة، ذلك أن المسلم إذا كان قوياً صحيح البنية، كان أقدر على القيام بالواجبات المترتبة عليه، سواء تجاه ربه، أو تجاه نقسه وأسرته ووطنه، وبكلمة أخرى كان أقدر على القيام بالمهمة التي أوكله الله بها من إعمار الأرض وجعله خليفة فيها. قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض وأستعمركم فيها).
ومن هنا كانت أمور الطب الوقائي ووضع أسس الحفاظ على الصحة العامة ووضع التشريعات للممارسة الطبية الصحيحة هي من واجبات الدولة من منظار شريعتنا الغراء. لا بل نزلت النصوص القرآنية المحكمة، والتي جاءت كقواعد صحية عامة، وكانت بمثابة مواد دستورية في هذا الشأن:
قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) البقرة: 195
وقال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) النساء: 29
وقال جل شأنه: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222.
ثم جاءت النصوص النبوية لتوضح هذه القواعد علماً وتطبيقاً ولتجعل من المحافظة على صحة البدن وقوته وحياته أمراً شرعياً: يقول النبي
إن لجسدك عليك حقاً) رواه البخاري. ويقول : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) رواه مسلم.
وتدل النصوص النبوية أن الإسلام جعل للصحة والعافية المقام الأول بعد اليقين بالله: يقول المصطفى (سلوا الله المعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيراً من المعافاة) رواه ابن ماجه.
ويقول: (سلوا الله العفو والعافية فما أوتي أحد بعد يقين خيراً من معافاة)رواه النسائي. وقال : (ما سئل الله شيئاً أحب من العافية)رواه الترمذي.
وقد روى الترمذي بسند حسن أن رجلاً قال: اللهم إني أسألك الصبر، فقل له النبي : (سألت الله البلاء فاسأله العافية)وقال(يا أيها الناس إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيراً من اليقين والمعافاة فسلوها الله عز وجل) رواه أحمد بإسناد حسن.
وقال عليه الصلاة والسلام: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.
ويجعل علماء العقيدة من (حفظ النفس) المقصد الثاني من مقاصد الشريعة الإسلامية بعد حفظ الدين، وفي هذا يقول الإمام الباجوري في متن جوهرة التوحيد:
وحفظ دين، ثم نفس، مال نسب ومثلها عقل وعرض، قد وجب.
ويؤكد هذا المعنى الإمام الشاطبي في الموافقات: الشريعة وضعت المحافظة على الضرورات تتصل بوجوب المحافظة على صحة البدن، ألا وهي النفس والعرض والعقل.